[size=32]كودار هولاكو.. هذبه الإسلام وقتله المغول
(في ذكرى ولايته: 26 من المحرم 681هـ)
ثمانية عشر عامًا تفصل بين وفاة هولاكو، وإسلام ابنه تكودار، فقد توفي (هولاكو) في سنة (663هـ = 1275م) عن (48) عامًا، بعد أن أسس دولة كبيرة، قامت بالقهر والبغي، والغدر والوحشية، وبث الفزع والهلع في النفوس، وارتفعت على أنقاض دول إسلامية ذات مجد وحضارة ورقي ومدنية، وشملت إيران والعراق وآسيا الصغرى وسوريا. أما تكودار فقد أسلم بعد أن تولى عرش سلطنة المغول الإيلخانيين، في (26 من المحرم 681هـ = 6 من مايو 1282م) خلفًا لأخيه (أباقاخان).
وتكودار هو الابن السابع لهولاكو، وكان في الصين أثناء حملة أبيه على إيران والعراق والشام، ثم قدم إلى إيران في عهد سلطنة أخيه (أباقاخان) لمساعدته في إدارة شئون الدولة، وكان قد تنصّر في طفولته، وتعمّد في صباه، غير أن هواه كان مع المسلمين، وما إن ولي عرش الدولة حتى أعلن إسلامه على مذهب أهل السنة والجماعة، وتسمى باسم أحمد تكودار، فكان أول إيلخاني يعتنق الإسلام، وبذل جهدًا محمودًا في إسلام المغول، فأسلم على يديه كثير منهم، وتهذبت طباعهم وحسنت أخلاقهم، وهم الذين أفزعوا الدنيا بهمجيتهم وسلوكهم الوحشي.
وقد استقبل العالم الإسلامي نبأ إسلام تكودار بارتياح شديد، وبخاصة منطقة إيران، وعزر من ارتياحهم وشعورهم بالرضى أن سلوك تكودار كان يظهر إخلاصًا وتمسكًا بالدين الإسلامي، إذ أرسل كتبًا إلى فقهاء بغداد يخبرهم فيها بإسلامه، ورغبته الصادقة في حماية الإسلام والدفاع عنه، وقد استقبل علماء بغداد إسلام الإيلخان بفرح شديد، ظهر ذلك في ردهم عليه؛ حيث عدوه حامي الإسلام والمسلمين، ونعتوه بناشر دين الله المبين.
تكودار وجيرانه
كان من أثر إسلام إيلخان المغول أن مالت نفسه إلى السلم مع جيرانه المسلمين، ورغب في إحلال الوفاق معهم محل الخصام والخلاف، فأرسل وفدًا إلى السلطان المنصور قلاوون في مصر في (جمادى الآخرة 681هـ = سبتمبر 1382م). وضم هذا الوفد شيخ الإسلام كمال الدين عبد الرحمن الرافعي والعلامة قطب الدين الشيرازي قاضي مدينة شيراز، وبهاء الدين أتابك مسعود سلطان سلاجقة الروم.
وحمل الوفد رسالة للسلطان قلاوون، تخبره بإسلام تكودار، ورغبته في إحياء الشريعة الإسلامية في المجتمع المغولي، وبما قام به من إصلاحات وبناء للمساجد والمدارس، وتيسير سبل الحج، ورعاية شئون الحجاج. وحملت الرسالة رغبة تكودار في أن تتسم العلاقات بين الدولتين بالهدوء والسلام وحسن الجوار، ورفضه لقرار مجلس شورى المغول (القوريلتاي) في إيفاد حملة عسكرية على بلاد الشام.
وقد رد السلطان قلاوون على تكودار برسالة في (شهر رمضان 681هـ= ديسمبر 1282م) هنأه فيه بدخول الإسلام، وأثنى على جهوده في تطبيق أحكام الإسلام، وطلب منه التحالف بين المماليك والمغول ضد الصليبيين.
بين موقفين
ويندهش المرء حين يقرأ الرسالة التي بعث بها هولاكو إلى سلطان مصر سيف الدين قطز في سنة (659هـ = 1257) والرسالة التي بعث بها ابنه أحمد تكودار إلى سلطان مصر المنصور قلاوون في سنة (681هـ = 1382م). كانت الأولى تحمل كل ألوان الوعيد والتهديد، وتدعو سلطان المماليك إلى الخضوع والاستسلام، واستهلها بقوله: (من ملك الملوك شرقًا وغربًا، القائد الأعظم، يعلم الملك المظفر وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، سَلَّطنا على من حلّ به غضبه…) وينهيها بقوله: (فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم). على حين حملت الرسالة الأخرى كل معاني التقدير لسلطان مصر، وتبشره بإسلام أمير المغول، وتدعوه إلى التحالف والتناصر ونبذ الخلاف والخصام.
والفارق بين الموقفين يوضح بجلاء كيف أثّر الإسلام في تهذيب طباع المغولي وتقويم خلقه، فلم يعد ذلك الهمجي الذي يضع كل همه في سفك الدماء وتخريب البلاد، وأصبح يرى المسلمين إخوته ويجب أن يحل بينهم الوئام.
نهاية تكودار
لم يلق اتجاه السلطان أحمد تكودار نحو السلم والمصالحة مع المماليك ترحيبًا من قادة المغول، فشكوه إلى الخان الأعظم (قوبيلاي)، وعدوا مراسلة تكودار لسلطان المماليك، وجهوده في إقامة علاقات ودية معهم خروجًا على قرار مجلس شورى المغول (القوريلتاي) بإرسال حملة جديدة إلى سوريا ومصر، بعد تكرار هزائم المغول أمام المماليك.
تجمعت كل هذه العوامل بالإضافة إلى إسلام تكودار لتساهم في تكوين جبهة مضادة لتلك السياسة الجديدة، وتزعم تلك الجبهة ابن أخيه (أرغون بن أباقاخان)، واتخذ من (خراسان) ثغرًا لقيادته ومعسكرًا لتعبئة جنوده واستقبال أنصاره، وكان ذلك بتأييد من الخاقان (قوبيلاي) وأمراء البيت المغولي، وما إن استكمل عدته وعتاده حتى تقدم لقتال عمه، واشتبك الطرفان في معركة طاحنة في (3 من صفر 683هـ = 21 من إبريل 1284م)، وتمكن تكودار من تحقيق نصر كبير على ابن أخيه، وأوقعه أسيرًا في يده.
ولما كان هذا النصر على غير هوى أمراء البيت الحاكم وقادة المغول فقد اجتمعوا وقرروا خلع تكودار من الحكم، وتخليص أرغون من الأسر، وتنصيب (هولاكو) بن هولاكو إيلخانًا على إيران، وتمت الخطة، وتخلص أرغون من الأسر بعد معركة سريعة بين قوات تكودار والمتآمرين عليه، قُتل فيها كثير من الأمراء الموالين لتكودار الذي فر من خراسان إلى أذربيجان لعله يتمكن من جمع قواته ومعاودة القتال مع خصمه.
وعلى خلاف ما قرره البيت المغولي الحاكم من تعيين هولاكو إيلخانًا على إيران فقد تم تنصيب أرغون بدلاً منه وبعد تنصيبه توجه لقتال عمه، وقبل أن يصل إلى أذربيجان قام جماعة من أتباع تكودار نفسه بتسليمه إلى أرغون بعد أن رأوا ارتفاع كفته وازدياد قوته، فلم يتوان في إعدامه في (26 من جمادى الأولى 683هـ= 10 من أغسطس 1284م)، وباستشهاده يكون أحمد تكودار أول إيلخان مغولي يدفع حياته ثمنًا لاعتناقه الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[/size]
(في ذكرى ولايته: 26 من المحرم 681هـ)
ثمانية عشر عامًا تفصل بين وفاة هولاكو، وإسلام ابنه تكودار، فقد توفي (هولاكو) في سنة (663هـ = 1275م) عن (48) عامًا، بعد أن أسس دولة كبيرة، قامت بالقهر والبغي، والغدر والوحشية، وبث الفزع والهلع في النفوس، وارتفعت على أنقاض دول إسلامية ذات مجد وحضارة ورقي ومدنية، وشملت إيران والعراق وآسيا الصغرى وسوريا. أما تكودار فقد أسلم بعد أن تولى عرش سلطنة المغول الإيلخانيين، في (26 من المحرم 681هـ = 6 من مايو 1282م) خلفًا لأخيه (أباقاخان).
وتكودار هو الابن السابع لهولاكو، وكان في الصين أثناء حملة أبيه على إيران والعراق والشام، ثم قدم إلى إيران في عهد سلطنة أخيه (أباقاخان) لمساعدته في إدارة شئون الدولة، وكان قد تنصّر في طفولته، وتعمّد في صباه، غير أن هواه كان مع المسلمين، وما إن ولي عرش الدولة حتى أعلن إسلامه على مذهب أهل السنة والجماعة، وتسمى باسم أحمد تكودار، فكان أول إيلخاني يعتنق الإسلام، وبذل جهدًا محمودًا في إسلام المغول، فأسلم على يديه كثير منهم، وتهذبت طباعهم وحسنت أخلاقهم، وهم الذين أفزعوا الدنيا بهمجيتهم وسلوكهم الوحشي.
وقد استقبل العالم الإسلامي نبأ إسلام تكودار بارتياح شديد، وبخاصة منطقة إيران، وعزر من ارتياحهم وشعورهم بالرضى أن سلوك تكودار كان يظهر إخلاصًا وتمسكًا بالدين الإسلامي، إذ أرسل كتبًا إلى فقهاء بغداد يخبرهم فيها بإسلامه، ورغبته الصادقة في حماية الإسلام والدفاع عنه، وقد استقبل علماء بغداد إسلام الإيلخان بفرح شديد، ظهر ذلك في ردهم عليه؛ حيث عدوه حامي الإسلام والمسلمين، ونعتوه بناشر دين الله المبين.
تكودار وجيرانه
كان من أثر إسلام إيلخان المغول أن مالت نفسه إلى السلم مع جيرانه المسلمين، ورغب في إحلال الوفاق معهم محل الخصام والخلاف، فأرسل وفدًا إلى السلطان المنصور قلاوون في مصر في (جمادى الآخرة 681هـ = سبتمبر 1382م). وضم هذا الوفد شيخ الإسلام كمال الدين عبد الرحمن الرافعي والعلامة قطب الدين الشيرازي قاضي مدينة شيراز، وبهاء الدين أتابك مسعود سلطان سلاجقة الروم.
وحمل الوفد رسالة للسلطان قلاوون، تخبره بإسلام تكودار، ورغبته في إحياء الشريعة الإسلامية في المجتمع المغولي، وبما قام به من إصلاحات وبناء للمساجد والمدارس، وتيسير سبل الحج، ورعاية شئون الحجاج. وحملت الرسالة رغبة تكودار في أن تتسم العلاقات بين الدولتين بالهدوء والسلام وحسن الجوار، ورفضه لقرار مجلس شورى المغول (القوريلتاي) في إيفاد حملة عسكرية على بلاد الشام.
وقد رد السلطان قلاوون على تكودار برسالة في (شهر رمضان 681هـ= ديسمبر 1282م) هنأه فيه بدخول الإسلام، وأثنى على جهوده في تطبيق أحكام الإسلام، وطلب منه التحالف بين المماليك والمغول ضد الصليبيين.
بين موقفين
ويندهش المرء حين يقرأ الرسالة التي بعث بها هولاكو إلى سلطان مصر سيف الدين قطز في سنة (659هـ = 1257) والرسالة التي بعث بها ابنه أحمد تكودار إلى سلطان مصر المنصور قلاوون في سنة (681هـ = 1382م). كانت الأولى تحمل كل ألوان الوعيد والتهديد، وتدعو سلطان المماليك إلى الخضوع والاستسلام، واستهلها بقوله: (من ملك الملوك شرقًا وغربًا، القائد الأعظم، يعلم الملك المظفر وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، سَلَّطنا على من حلّ به غضبه…) وينهيها بقوله: (فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم). على حين حملت الرسالة الأخرى كل معاني التقدير لسلطان مصر، وتبشره بإسلام أمير المغول، وتدعوه إلى التحالف والتناصر ونبذ الخلاف والخصام.
والفارق بين الموقفين يوضح بجلاء كيف أثّر الإسلام في تهذيب طباع المغولي وتقويم خلقه، فلم يعد ذلك الهمجي الذي يضع كل همه في سفك الدماء وتخريب البلاد، وأصبح يرى المسلمين إخوته ويجب أن يحل بينهم الوئام.
نهاية تكودار
لم يلق اتجاه السلطان أحمد تكودار نحو السلم والمصالحة مع المماليك ترحيبًا من قادة المغول، فشكوه إلى الخان الأعظم (قوبيلاي)، وعدوا مراسلة تكودار لسلطان المماليك، وجهوده في إقامة علاقات ودية معهم خروجًا على قرار مجلس شورى المغول (القوريلتاي) بإرسال حملة جديدة إلى سوريا ومصر، بعد تكرار هزائم المغول أمام المماليك.
تجمعت كل هذه العوامل بالإضافة إلى إسلام تكودار لتساهم في تكوين جبهة مضادة لتلك السياسة الجديدة، وتزعم تلك الجبهة ابن أخيه (أرغون بن أباقاخان)، واتخذ من (خراسان) ثغرًا لقيادته ومعسكرًا لتعبئة جنوده واستقبال أنصاره، وكان ذلك بتأييد من الخاقان (قوبيلاي) وأمراء البيت المغولي، وما إن استكمل عدته وعتاده حتى تقدم لقتال عمه، واشتبك الطرفان في معركة طاحنة في (3 من صفر 683هـ = 21 من إبريل 1284م)، وتمكن تكودار من تحقيق نصر كبير على ابن أخيه، وأوقعه أسيرًا في يده.
ولما كان هذا النصر على غير هوى أمراء البيت الحاكم وقادة المغول فقد اجتمعوا وقرروا خلع تكودار من الحكم، وتخليص أرغون من الأسر، وتنصيب (هولاكو) بن هولاكو إيلخانًا على إيران، وتمت الخطة، وتخلص أرغون من الأسر بعد معركة سريعة بين قوات تكودار والمتآمرين عليه، قُتل فيها كثير من الأمراء الموالين لتكودار الذي فر من خراسان إلى أذربيجان لعله يتمكن من جمع قواته ومعاودة القتال مع خصمه.
وعلى خلاف ما قرره البيت المغولي الحاكم من تعيين هولاكو إيلخانًا على إيران فقد تم تنصيب أرغون بدلاً منه وبعد تنصيبه توجه لقتال عمه، وقبل أن يصل إلى أذربيجان قام جماعة من أتباع تكودار نفسه بتسليمه إلى أرغون بعد أن رأوا ارتفاع كفته وازدياد قوته، فلم يتوان في إعدامه في (26 من جمادى الأولى 683هـ= 10 من أغسطس 1284م)، وباستشهاده يكون أحمد تكودار أول إيلخان مغولي يدفع حياته ثمنًا لاعتناقه الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[/size]