[size=32]صحوة الخلافة العباسية
(في ذكرى وفاة الموفق: 22 من صفر 278 هـ)
أتي حين من الدهر على دولة الخلافة العباسية كانت فيه خاضعة تماما لنفوذ الأتراك الذين كانوا يمسكون بزمام الأمور، ويدبرون الدولة بقوتهم ونفوذهم، ويستبدون بالأمر دون الخلفاء العباسيين الذين أصبحوا في أيديهم كالدمى يحركونهم كما يشاءون. وكان الخليفة المأمون (198-218هـ= 813-833م) أول من استعان بالأتراك واستخدمهم في دولته، ولكنهم كانوا تحت سيطرته وسلطانه لا تأثير لهم ولا يملكون نفوذا يذكر، ثم أكثر الخليفة المعتصم (218-227=833-842م) من الاستعانة بهم، وصاروا عنصرا أساسيا في جيشه.. ثم بدأ نفوذهم يتزايد في عهد الخليفة الواثق، وازداد حدة في عهد الخليفة المتوكل، وأطلق المؤرخون على الفترة التي علا فيه نفوذ الأتراك وسيطروا تماما على مقاليد الأمور (عصر نفوذ الأتراك)، وهو يمتد إلى ما يزيد عن قرن من الزمان (232-334هـ=847-945م) تعاقب خلاله 13 خليفة عباسي.
خلافة المعتمد على الله
تولى المعتمد على الله أحمد بن المتوكل بعد خلع الخليفة (المهتدي بالله) محمد بن الواثق سنة (256هـ =870م) وكان الخليفة المهتدي بالله رجلا تقيا شجاعا حازما محبا للعدل متقيدا بسيرة عمر بن عبد العزيز في العدالة والحكم، حاول أن يعيد للخلافة العباسية هيبتها ومكانتها، ويوقف طغيان الأتراك واستبدادهم؛ فحاول إحداث الفرقة في صفوفهم وضرب بعضهم ببعض لإضعافهم وبث الخلاف بينهم، ولكنهم انتبهوا لمحاولته الذكية وأسرعوا في التخلص منه.
غير أن ثبات هذا الخليفة كان له أثر طيب؛ حيث ظهرت دعوة جادة إلى إعادة سلطان الخليفة العباسي إلى ما كان عليه، وشاءت الأقدار أن يكون ذلك على يد الخليفة المعتمد الذي حاول أن يمسك بزمام الأمور، وساعده على ذلك أنه استعان بأخيه (الموفق) الذي ولاه قيادة الجيش. وكان الموفق يتمتع بشخصية قوية ومقدرة عسكرية ممتازة وهمة عالية وعزيمة لا تلين؛ فسيطر على زمام الأمور السياسية والإدارية، وأصبح الخليفة لا سلطان له أمام نفوذ أخيه.
ويصف أحد المؤرخين هذا الوضع بقوله: (وكانت دولة المعتمد دولة عجيبة الوضع، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشركيين في الخلافة: للمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بأمير المؤمنين، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العسكر ومحاربة الأعداء ومرابطة الثغور وترتيب الوزراء والأمراء).
ثورة الزنج
في هذه الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الخلافة العباسية قامت ثورة كبرى عرفت باسم ثورة الزنج، هددت كيان الدولة العباسية أكثر مما هددها الأتراك، وهؤلاء الزنج كانوا جماعات من العبيد السود المجلوبين من أفريقيا الشرقية للعمل في استصلاح الأراضي الواقعة بين مدينتي البصرة وواسط، وكان عددهم كبيرا يُعدّ بالألوف ويعملون في جماعات، ويحيون حياة سيئة ولا يتقاضون أجورا يومية ولا يتجاوز قوتهم اليومي قليلا من الطحين والتمر والسَّويق.
استغل (علي بن محمد) هذه الأوضاع وكان رجلا طموحا مغامرا فنجح في استمالة الزنج إليه، مستغلا أوضاعهم السيئة فمنّاهم بالتحرر من العبودية وتمكينهم من الوصول إلى السلطة، ثم اشتط في دعوته فادعى صفات النبوة، وأعلن أنه مرسل من الله لإنقاذ العبيد البائسين، وانتحل نسبًا إلى آل البيت.
نجح صاحب الزنج في فترة قصيرة (255-261هـ = 869-875م) من أن يسيطر على البصرة وما حولها، بعد نجاحه في هزيمة جيش الدولة، ثم امتد نفوذه ليشمل الأهواز وعبادان وواسط، وكانت سياسته تجنح إلى العنف والإرهاب وإراقة الدماء؛ فدمر المدن التي احتلها وأباد كثيرا من أهلها وعاث فيها فسادا، والذي فعله بالبصرة خير دليل على ذلك؛ حيث ذكر المؤرخون أن الزنج قتلوا أكثر من 300 ألف إنسان بالبصرة وحدها، وأسروا عددا كبيرا من النساء والأطفال.
الموفق والقضاء على ثورة الزنج
بعد تولي المعتمد على الله منصب الخلافة عهد إلى أخيه الموفق بمهمة القضاء على هذه الفتنة قبل أن يستفحل خطرها؛ فخرج من بغداد إلى واسط في شهر (صفر 267 هـ= 881م) وهزم فريقا كبيرا من الزنج، وتوالت انتصاراته حتى أجلاهم عن الأهواز، وحاصر مدينتهم (المختارة)، وبنى مدينة بإزائها تسمى الموفقية نسبه إليه، وجعلها معسكرا دائمًا له ولجيشه. وفي الوقت نفسه ضرب حصارا اقتصاديا على المختارة؛ لمنع وصول المؤن إليها حتى نجح في اقتحام المدينة والاستيلاء عليها.
وبعد القضاء على الحركة الثائرة أصدر الموفق بيانا أعلن فيه انتهاء الاضطرابات والفوضى بعد حرب دامت أكثر من 14 سنة (255–270هـ)، ودعا سكان هذه المناطق للرجوع إلى مدنهم وقراهم.. وهكذا نجحت الخلافة العباسية –وهي تمر بمرحلة عصيبة في تاريخها- من القضاء على حركة عنيفة؛ مما يدل على ما تضمه الدولة من إمكانات كامنة في مؤسسة الحكم يُمكن أن تُستغل إذا وجدت الخليفة المناسب.
محاولة نقل الخلافة للقاهرة
يئس الخليفة العباسي المعتمد من تسلط أخيه الموفق وفرض سيطرته عليه؛ فصار كالمحجور عليه، ولم يكن له حول ولا قوة فبعث برسالة إلى أحمد بن طولون واليه على مصر ينبئه بأنه خارج إليه فِرارًا من سيطرة أخيه، واستجابةً لرسالة كان ابن طولون قد كتبها إليه في سنة (268 هـ = 882م) يعده فيها بالحماية والنصرة.
وانتهز الخليفة فرصة انشغال أخيه الموفق بإخماد ثورة الزنج فخرج من مدينة سامراء عاصمة الخلافة آنذاك متظاهرا بالصيد، واتجه صوب الرقة للحاق بابن طولون الذي كان في دمشق؛ فلما علم الموفق بأمر هذه المحاولة أمر عامله على الموصل برد الخليفة إلى سامراء في شعبان (269هـ = فبراير 883م) وبذلك فشلت فكرة نقل الخلافة إلى القاهرة بفضل يقظة الموفق.
ملامح حضارية
على الرغم من المشكلات الضخمة التي ألمّت بالدولة العباسية في عصرها الثاني فإن هذه الفترة تُعدّ من أخصب فترات التاريخ الإسلامي في عطائها الحضاري وثرائها الفكري، ويكفي أن نعلم أن هذه الفترة شهدت تألق عمدة المحدثين وسيد الحفاظ الإمام (البخاري) المتوفى سنة (256هـ = 870 م) صاحب الجامع الصحيح، أصح كتب السنة، والتاريخ الصغير، والتاريخ الكبير.. بالإضافة إلى مجموعة أخرى من أعلام المحدثين من أمثال: الإمام مسلم النيسابوري المتوفى سنة (261هـ= 875م) صاحب كتاب الجامع الصحيح، أصح كتب السنة بعد صحيح البخاري. والإمام ابن ماجه المتوفى سنة (273هـ = 886م) وأبو داود المتوفى سنة (275هـ = 888م) والترمذي المتوفى سنة (279 هـ = 892م).
وشهد هذا العصر تألق عدد كبير من النابهين في اللغة والأدب والشعر، من هؤلاء: محمد بن يزيد المبرّد المتوفى سنة (285هـ = 898م) وصاحب كتاب الكامل، وكان إمام النحاة في عصره، ولمع أيضا ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة (276هـ=889م) وقد ترك لنا هذا العالم الكبير عددا من الموسوعات ذات الشأن مثل: عيون الأخبار، والشعر والشعراء، وأدب الكاتب الذي تحدث فيه عما يحتاج إليه الأديب من فنون الثقافة والمعرفة ليمارس الكتابة.
ولمع في مجال الشعر كوكبة من أعظم شعراء العربية مثل: البحتري المتوفى سنة (284هـ=897م) صاحب الديباجة الشعرية الرائعة والموسيقى العذبة الراقية، وابن الرومي المتوفى (283هـ=896م) الذي اشتهر بقدرته على توليد المعاني وابتكار الصور والأخيلة.
ونشطت حركة التأليف التاريخي، وتألق عدد من كبار المؤرخين كابن قتيبه الذي أشرنا إليه.. وهو عالم موسوعي يضرب في كل فن من المعرفة بسهم وافر، واليعقوبي المتوفى سنة (278هـ =891م) صاحب كتاب تاريخ اليعقوبي، والبلدان الذي يعدّ من أقدم ملفات التراث الجغرافي العربي، والبلاذري المتوفى سنة (279هـ = 892م) وهو من أبرز مؤرخي هذه الفترة وله كتابان عظيمان هما: فتوح البلدان، ويعد من أوثق الكتب التي تحدثت عن تاريخ الفتوح الإسلامية، وأنساب الأشراف وهو موسوعة كبيرة تتناول التاريخ الإسلامي من خلال الإنسان، كما حظيت العلوم الطبية والرياضية والفلكية والطبيعية بنصيب وافر من العناية والدراسة.
وفاة الموفق
نجح الموفق في كل ما قام به من أعمال أن يعيد للدولة العباسية سلطانها وللخلافة هيبتها، وأن يكبح بحكمته وحزمه جماح الأتراك، وأن يعيد تنظيم الجيش ويقرّ الأمن والاستقرار؛ لذا لم يكن غريبا أن يطلق المؤرخون على هذه اليقظة (صحوة الخلافة).. وتوفي الموفق في (22 من صفر 278 هـ = 5 من يونيو 891م
ــــــــــــــــ[/size]
(في ذكرى وفاة الموفق: 22 من صفر 278 هـ)
أتي حين من الدهر على دولة الخلافة العباسية كانت فيه خاضعة تماما لنفوذ الأتراك الذين كانوا يمسكون بزمام الأمور، ويدبرون الدولة بقوتهم ونفوذهم، ويستبدون بالأمر دون الخلفاء العباسيين الذين أصبحوا في أيديهم كالدمى يحركونهم كما يشاءون. وكان الخليفة المأمون (198-218هـ= 813-833م) أول من استعان بالأتراك واستخدمهم في دولته، ولكنهم كانوا تحت سيطرته وسلطانه لا تأثير لهم ولا يملكون نفوذا يذكر، ثم أكثر الخليفة المعتصم (218-227=833-842م) من الاستعانة بهم، وصاروا عنصرا أساسيا في جيشه.. ثم بدأ نفوذهم يتزايد في عهد الخليفة الواثق، وازداد حدة في عهد الخليفة المتوكل، وأطلق المؤرخون على الفترة التي علا فيه نفوذ الأتراك وسيطروا تماما على مقاليد الأمور (عصر نفوذ الأتراك)، وهو يمتد إلى ما يزيد عن قرن من الزمان (232-334هـ=847-945م) تعاقب خلاله 13 خليفة عباسي.
خلافة المعتمد على الله
تولى المعتمد على الله أحمد بن المتوكل بعد خلع الخليفة (المهتدي بالله) محمد بن الواثق سنة (256هـ =870م) وكان الخليفة المهتدي بالله رجلا تقيا شجاعا حازما محبا للعدل متقيدا بسيرة عمر بن عبد العزيز في العدالة والحكم، حاول أن يعيد للخلافة العباسية هيبتها ومكانتها، ويوقف طغيان الأتراك واستبدادهم؛ فحاول إحداث الفرقة في صفوفهم وضرب بعضهم ببعض لإضعافهم وبث الخلاف بينهم، ولكنهم انتبهوا لمحاولته الذكية وأسرعوا في التخلص منه.
غير أن ثبات هذا الخليفة كان له أثر طيب؛ حيث ظهرت دعوة جادة إلى إعادة سلطان الخليفة العباسي إلى ما كان عليه، وشاءت الأقدار أن يكون ذلك على يد الخليفة المعتمد الذي حاول أن يمسك بزمام الأمور، وساعده على ذلك أنه استعان بأخيه (الموفق) الذي ولاه قيادة الجيش. وكان الموفق يتمتع بشخصية قوية ومقدرة عسكرية ممتازة وهمة عالية وعزيمة لا تلين؛ فسيطر على زمام الأمور السياسية والإدارية، وأصبح الخليفة لا سلطان له أمام نفوذ أخيه.
ويصف أحد المؤرخين هذا الوضع بقوله: (وكانت دولة المعتمد دولة عجيبة الوضع، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشركيين في الخلافة: للمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بأمير المؤمنين، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العسكر ومحاربة الأعداء ومرابطة الثغور وترتيب الوزراء والأمراء).
ثورة الزنج
في هذه الفترة الحرجة التي كانت تمر بها الخلافة العباسية قامت ثورة كبرى عرفت باسم ثورة الزنج، هددت كيان الدولة العباسية أكثر مما هددها الأتراك، وهؤلاء الزنج كانوا جماعات من العبيد السود المجلوبين من أفريقيا الشرقية للعمل في استصلاح الأراضي الواقعة بين مدينتي البصرة وواسط، وكان عددهم كبيرا يُعدّ بالألوف ويعملون في جماعات، ويحيون حياة سيئة ولا يتقاضون أجورا يومية ولا يتجاوز قوتهم اليومي قليلا من الطحين والتمر والسَّويق.
استغل (علي بن محمد) هذه الأوضاع وكان رجلا طموحا مغامرا فنجح في استمالة الزنج إليه، مستغلا أوضاعهم السيئة فمنّاهم بالتحرر من العبودية وتمكينهم من الوصول إلى السلطة، ثم اشتط في دعوته فادعى صفات النبوة، وأعلن أنه مرسل من الله لإنقاذ العبيد البائسين، وانتحل نسبًا إلى آل البيت.
نجح صاحب الزنج في فترة قصيرة (255-261هـ = 869-875م) من أن يسيطر على البصرة وما حولها، بعد نجاحه في هزيمة جيش الدولة، ثم امتد نفوذه ليشمل الأهواز وعبادان وواسط، وكانت سياسته تجنح إلى العنف والإرهاب وإراقة الدماء؛ فدمر المدن التي احتلها وأباد كثيرا من أهلها وعاث فيها فسادا، والذي فعله بالبصرة خير دليل على ذلك؛ حيث ذكر المؤرخون أن الزنج قتلوا أكثر من 300 ألف إنسان بالبصرة وحدها، وأسروا عددا كبيرا من النساء والأطفال.
الموفق والقضاء على ثورة الزنج
بعد تولي المعتمد على الله منصب الخلافة عهد إلى أخيه الموفق بمهمة القضاء على هذه الفتنة قبل أن يستفحل خطرها؛ فخرج من بغداد إلى واسط في شهر (صفر 267 هـ= 881م) وهزم فريقا كبيرا من الزنج، وتوالت انتصاراته حتى أجلاهم عن الأهواز، وحاصر مدينتهم (المختارة)، وبنى مدينة بإزائها تسمى الموفقية نسبه إليه، وجعلها معسكرا دائمًا له ولجيشه. وفي الوقت نفسه ضرب حصارا اقتصاديا على المختارة؛ لمنع وصول المؤن إليها حتى نجح في اقتحام المدينة والاستيلاء عليها.
وبعد القضاء على الحركة الثائرة أصدر الموفق بيانا أعلن فيه انتهاء الاضطرابات والفوضى بعد حرب دامت أكثر من 14 سنة (255–270هـ)، ودعا سكان هذه المناطق للرجوع إلى مدنهم وقراهم.. وهكذا نجحت الخلافة العباسية –وهي تمر بمرحلة عصيبة في تاريخها- من القضاء على حركة عنيفة؛ مما يدل على ما تضمه الدولة من إمكانات كامنة في مؤسسة الحكم يُمكن أن تُستغل إذا وجدت الخليفة المناسب.
محاولة نقل الخلافة للقاهرة
يئس الخليفة العباسي المعتمد من تسلط أخيه الموفق وفرض سيطرته عليه؛ فصار كالمحجور عليه، ولم يكن له حول ولا قوة فبعث برسالة إلى أحمد بن طولون واليه على مصر ينبئه بأنه خارج إليه فِرارًا من سيطرة أخيه، واستجابةً لرسالة كان ابن طولون قد كتبها إليه في سنة (268 هـ = 882م) يعده فيها بالحماية والنصرة.
وانتهز الخليفة فرصة انشغال أخيه الموفق بإخماد ثورة الزنج فخرج من مدينة سامراء عاصمة الخلافة آنذاك متظاهرا بالصيد، واتجه صوب الرقة للحاق بابن طولون الذي كان في دمشق؛ فلما علم الموفق بأمر هذه المحاولة أمر عامله على الموصل برد الخليفة إلى سامراء في شعبان (269هـ = فبراير 883م) وبذلك فشلت فكرة نقل الخلافة إلى القاهرة بفضل يقظة الموفق.
ملامح حضارية
على الرغم من المشكلات الضخمة التي ألمّت بالدولة العباسية في عصرها الثاني فإن هذه الفترة تُعدّ من أخصب فترات التاريخ الإسلامي في عطائها الحضاري وثرائها الفكري، ويكفي أن نعلم أن هذه الفترة شهدت تألق عمدة المحدثين وسيد الحفاظ الإمام (البخاري) المتوفى سنة (256هـ = 870 م) صاحب الجامع الصحيح، أصح كتب السنة، والتاريخ الصغير، والتاريخ الكبير.. بالإضافة إلى مجموعة أخرى من أعلام المحدثين من أمثال: الإمام مسلم النيسابوري المتوفى سنة (261هـ= 875م) صاحب كتاب الجامع الصحيح، أصح كتب السنة بعد صحيح البخاري. والإمام ابن ماجه المتوفى سنة (273هـ = 886م) وأبو داود المتوفى سنة (275هـ = 888م) والترمذي المتوفى سنة (279 هـ = 892م).
وشهد هذا العصر تألق عدد كبير من النابهين في اللغة والأدب والشعر، من هؤلاء: محمد بن يزيد المبرّد المتوفى سنة (285هـ = 898م) وصاحب كتاب الكامل، وكان إمام النحاة في عصره، ولمع أيضا ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة (276هـ=889م) وقد ترك لنا هذا العالم الكبير عددا من الموسوعات ذات الشأن مثل: عيون الأخبار، والشعر والشعراء، وأدب الكاتب الذي تحدث فيه عما يحتاج إليه الأديب من فنون الثقافة والمعرفة ليمارس الكتابة.
ولمع في مجال الشعر كوكبة من أعظم شعراء العربية مثل: البحتري المتوفى سنة (284هـ=897م) صاحب الديباجة الشعرية الرائعة والموسيقى العذبة الراقية، وابن الرومي المتوفى (283هـ=896م) الذي اشتهر بقدرته على توليد المعاني وابتكار الصور والأخيلة.
ونشطت حركة التأليف التاريخي، وتألق عدد من كبار المؤرخين كابن قتيبه الذي أشرنا إليه.. وهو عالم موسوعي يضرب في كل فن من المعرفة بسهم وافر، واليعقوبي المتوفى سنة (278هـ =891م) صاحب كتاب تاريخ اليعقوبي، والبلدان الذي يعدّ من أقدم ملفات التراث الجغرافي العربي، والبلاذري المتوفى سنة (279هـ = 892م) وهو من أبرز مؤرخي هذه الفترة وله كتابان عظيمان هما: فتوح البلدان، ويعد من أوثق الكتب التي تحدثت عن تاريخ الفتوح الإسلامية، وأنساب الأشراف وهو موسوعة كبيرة تتناول التاريخ الإسلامي من خلال الإنسان، كما حظيت العلوم الطبية والرياضية والفلكية والطبيعية بنصيب وافر من العناية والدراسة.
وفاة الموفق
نجح الموفق في كل ما قام به من أعمال أن يعيد للدولة العباسية سلطانها وللخلافة هيبتها، وأن يكبح بحكمته وحزمه جماح الأتراك، وأن يعيد تنظيم الجيش ويقرّ الأمن والاستقرار؛ لذا لم يكن غريبا أن يطلق المؤرخون على هذه اليقظة (صحوة الخلافة).. وتوفي الموفق في (22 من صفر 278 هـ = 5 من يونيو 891م
ــــــــــــــــ[/size]