يليلي هو اسم المطعم اللبناني الذي حاز على جائزة «ستار دايموند أوورد» الأميركية ليشكّل بذلك العلامة الفارقة عن غيره من المطاعم اللبنانية في العالم. هذه الجائزة التي تعطى لأول مرة لمطعم لبناني، والموقّعة من أهم ثلاثة طهاة في العالم (الفرنسي آلان دوكاس، والأميركيين جان جورج فونغيريتشن، وديفيد بوليه)، شكّلت حديث لبنان المقيم والمغترب على السواء، ولا سيما أنها لمّعت صورة بلد الأرز في العالم، وأضافت إلى خريطته الثقافية معلمًا سياحيًا من نوع آخر يمثّل لبنان المضيء في الخارج، وتفوح منه رائحة المطبخ اللبناني الأصيل. «لم أسعَ إلى هذه الجائزة، فهدفي الأول والأخير كان إيصال اللقمة اللبنانية الأصيلة بأفضل طريقة إلى العالمية».. يقول صاحب المطعم ومؤسسه الشيف فيليب مسعود الذي التقيناه خلال زيارته إلى لبنان. ويضيف: «لقد سبق ونلت نفس الجائزة العام الماضي، ورغم أنني وزّعت الخبر الإعلامي على الجهات المعنية، فإن وقعها هذا العام كان أكبر، وقد يعود ذلك لانكباب اللبناني بشكل أفضل على وسائل الاتصال الاجتماعية». أما تفاصيل تلقّيه هذه الجائزة كما يسردها لنا فتتلخّص بتلقّيه اتصالاً هاتفيًا من الفرنسي آلان دوكاس، الذي قال له: «مبروك، لقد فزت بالجائزة، فأنت أول مطعم لبناني يحصل عليها في العالم». فمن بين 11000 مطعم موجود في مدينة نيويورك، تم اختيار إيليلي لنيلها. هذه الجائزة التي حصل عليها عدد قليل من المطاعم في العالم هذا العام، وكلّ حسب هويّة المطبخ التي يمثّلها، هي بمثابة نجمة تشير إلى تألّق المطعم وتميّزه إن في نوعية الطعام الذي يقدّمه أو في الخدمة الجيّدة التي يوفّرها للزبون. 60 في المائة من الأطباق التي تقدّم في مطعم إيليلي هي تقليدية تنبع مباشرة من لائحة الطعام اللبنانية الأصيلة، إن في أنواع المزّة المعروفة أو في مجموعة الأطباق الساخنة المؤلّفة من مختلف أنواع اللحوم. فكما هناك «الفتّوش» و«التبولة» و«بابا غنوج» و«الحمص بالطحينة» و«الشنكليش» و«المجدرة» و«الكبة النيّة»، وغيرها من الأطباق كـ«هندبة مقلاية» و«البطاطا الحرة»، حرص الشيف فيليب على أن يضيف إليها أطباقًا استوحاها من المائدة اللبنانية، ولكنها تشمل مطابخ عالمية مثل «شاورما بطّ» (ترتبط ببلاد الصين) و«كباب بالكرز» (المعروفة في المطبخ الأرمني) و«كراة لحم بروكسل» (من بلجيكا) وإلى ما هنالك من أطباق أخرى لذيذة. أما لائحة الحلويات فهي طويلة وتتضمن إضافة إلى الكنافة بالجبن والكرابيج والقشطة مع الفريز، والبوظة العربية، والشوكولا بالكراميل والحلاوة الطحينة و«اللبنة تشيزكيك» وجميعها تقدّم طازجة من صنع المطعم. برأيك.. لماذا حقّق مطعم إيليلي النجاح؟ سألت فيليب مسعود، فأجاب: «الأمر يتعلّق بشقّين: الأول يتمثّل في طريقة التقديم، والثاني في جودة صنع الطبق. فمثلاً نحن نصنع الكنافة محلّيًا ولا نستوردها من أي مكان آخر فتقدّم طازجة، وكذلك الأمر لحلويات الكرابيج، كما أننا نحافظ على الطعم المطلوب ولو غيّرنا في بعض المواد المستعملة لتطويرها». وعما إذا كان ساندويتش «الشاورما بطّ» ينافس زميله اللبناني الأصيل قال: «لدينا النوعان في المطعم، ولكننا أردنا في الأول أن نحدث هذا المزيج بين الغرب والشرق ونجحنا في ذلك، فزبائن كثر يقصدوننا لتذوّق الاثنين واكتشاف الفرق بينهما. أما تكلفة ساندويتشين من (الشاورما بطّ) فتبلغ 19 دولارًا». وتمسّك فيليب مسعود بعنوان عريض لمطعمه، فهو أراده قبلة لسكان نيويورك والأجانب بشكل عام. ويقول في هذا الصدد: «95 في المائة من زبائننا أجانب، فأنا أردت أن أستقطب هذه الشريحة منهم بالذات لإيصال المطبخ اللبناني إليهم. وكذلك الأمر بالنسبة للفريق العامل في قسم الخدمة والطبخ، فهم أميركيون، وقد توصّلت إلى أن أجعلهم يشبهون في أسلوبهم بالطهي (الميتر) و(الشيف) اللبنانيين». كيف ذلك؟ يردّ بحماس: «ليس في نيويورك جالية لبنانية كبيرة كما في البرازيل وكندا، وغيرهما، لذلك اضطررت أن أستعين بأهل البلد لأسيّر أعمال المطعم. وهم يخضعون لدورة تدريبية قبيل دخولهم العمل، وهذه الدورة تشمل تعلّم لفظ أسماء الأطباق اللبنانية كما هي، فمن غير المسموح أن يرددوا كلمة (حمّص) بحرف الهاء مثلاً. وكذلك عليهم تعلّم كيفية صنعها بالمواد اللبنانية الصرفة، فإذا قلت لطبّاخٍ ما ضَعْ (السمّاق) أو (الكموّن) فعليه أن يختاره بين عدة بهارات أخرى، وهكذا دواليك». مطعم لبناني وطبّاخوه أميركيون نعم. ولكنه يحاول اليوم مع وزارة الخارجية الأميركية أن يجد حلولاً لهذا الموضوع. إذن أنت لا تهتمّ للزبون العربي أو اللبناني؟ ليست هذه حقيقة الأمر، بل من يفتح مطعمًا في نيويورك عليه أن يجذب هذا السوق بمن فيها، فأهل هذه المدينة هم من يجب أن يدخلوا المطعم أولاً، ومن ثم تأتي البقية». متى شعرت بأنك تحلّق على غيمة في السماء؟ يبتسم فيليب مسعود، ابن جورج مسعود صاحب فندق «الكورال» في منطقة الجناح في السبعينات، ويقول: «لقد شعرت بذلك تمامًا عندما زارني الرئيس الأميركي بيل كلينتون وزوجته. فلقد دخل واحد من فريق العمل ليقول لي: (هذه الطلبية لبيل كلينتون)، فاعتقدت أنه يمازحني، عندما أكد لي أن الرئيس موجود بالفعل. فخرجت إليه وقدّمت له نفسي والـ(بيزنيس كارت) خاصتي، وشكرته لزيارة المطعم التي جاءت لفتة منه للعمل الإنساني الذي شارك فيه المطعم مع غيره من مطاعم نيويورك في قضية زلزال هاييتي. فبعدما تلقيّت رسالة شكر منه، أتبعها بزيارة للمطعم لتناول العشاء». وعن سبب تسميته هذه للمطعم الذي افتتحه منذ نحو الثماني سنوات يقول: «لم أكن أرغب في إطلاق اسم عادي عليه، ووجدت في هذه العبارة التي يرددها الأميركيون بشكل خاص في أحاديثهم اليومية (tell me) رنّة قريبة إلى القلب من السهل حفظها. والزبائن على فكرة حفظوا اسمه بالعربية كما هو تمامًا، وعندما يدعون بعضهم إلى العشاء أو الغداء فهم يذكرون اسمه بالعربية بطلاقة». يتسّع مطعم إيليلي لـ300 شخص، وهو يتألّف من ثلاثة طوابق تمتد على مساحة 1000متر مربع، واحد منها مخصص للمطابخ. أما الطابقان الآخران، فقد آثر أن يستوحي ديكوراتهما من أسطورة أدونيس. فالأحمر يغلب على أثاثه (إشارة إلى لون دماء أدونيس عندما أصيب على ضفاف النهر)، وكراسيه صمّمت على شكل زهرة شقائق النعمان التي ترمز إلى نوع الزهرة التي نبتت على تراب النهر بعدما اختلط بدموع الآلهة ودماء أدونيس). «لقد أحببت أن أعود إلى جذوري الحقيقية، إلى حقبة الفينيقيين الذين لعبوا دورًا ثقافيًا رياديًا في المنطقة. ومنهم استوحيت ديكورات المطعم، ولا سيما أنني استخدمت خشب شجر الأرز فيها».. يقول الشيف فيليب. وتتوزّع صالات المطعم على عدة أقسام بينها «بار لاونج» و«داينينغ روم فيستيفال» و«داينينغ غراند فلور» و«داينينغ روم»، وتعدّ الصالة التي تطالعك على شكل خيمة حديثة، واحدة من الصالات التي تجذب شريحة لا يستهان بها من الزبائن، نظرًا لديكوراتها التي ترخي بظلالها الدافئة على الأجواء. يشكّل مطعم إيليلي مقصدًا لنجوم السياسة والفن، فكثير من الأثرياء العرب، كما نجوم سينما هوليوود، يزورونه باستمرار أمثال ريتشارد غير وأوما تيرمن وصوفيا فيرغارا وفريق «غرين داي»، وغيرهم. كما يلزمك القيام بإجراءات الحجز قبل أسبوعين أو ثلاثة لتناول العشاء فيه أثناء عطلة الأسبوع. إيليلي هذه العبارة التي تعني «حدّثني»، كسر معناها الحقيقي الشيف فيليب مسعود عندما اختارها اسمًا لمطعم يتمتّع بمستوى راقٍ وعالمي. فيجدر بك عندما تزوره أن يكون الصمت رفيقك، فتتلذذ بطعم أطباقه اللبنانية الأصيلة، فتشعر بحالة طرب من نوع آخر عنوانها «من لبنان إلى أميركا مع أطيب التحيّات». |